يعبر الواقع عن الحياة الواقعية التي نعيشها بما فيها من أحداث حقيقية نمر بها بينما الخيال الذي نقصده هنا ليس مثلما نشاهده في كثير من الأفلام الأجنبية, والذي يتضمن كائنات فضائية ,وأمور خارقة ووحوش, وكلها أمور من وحي الخيال ولاتمس واقعنا من قريب أو من بعيد لكن ماذا يحدث إذا حدث اختلاط في عقلنا بين الواقع والخيال, وتلاشى الخط الفاصل بينهما هنا سنكون أمام شكل من أشكال المرض العقلي يطلق عليه الإضطراب الوهمي الذي يرتبط بإعتقاد المريض بوجود مؤامرات غير حقيقية تحاك من خلفه في حين أنها لاتحدث من الأساس , وسنقدم لكي من خلال مقالنا التالي أسباب الإضطراب الوهمي والأساليب العلاجية المتبعة .
حول الاضطراب الوهمي أو الوهامي
في حين أن المصاب بالإضطراب الوهمي لايستطيع التفرقة بين الأمور الواقعية الحدوث, والأمور الوهمية التي توجد فيه في خياله فقط ,وهو من يقوم بتطويرها كما ينسج كثير من الروايات المتعلقة بها وكل ذلك في ذهنه فقط , ويتم تصنيف تلك المشكلة العقلية بأنها ضمن الحالات المرضية المزمنة التي تستهدف صحتنا النفسية وكثيرا ماتجمع بين جنون العظمة الشديد والذهان , ولكن المرضى بهذا النوع من الإضطراب دائما ماينكرون إصابتهم بالمرض بالإضافة إلى إعلانهم رفض كافة سبل الدعم المقدمة إليهم سواء من الأصدقاء أو الأقارب , وهنا يجب أن نشير إلى أهمية اتخاذ كافة الطرق العلاجية السليمة التي من شأنها تخفيف أعراض المرض إلى حد كبير وربما يتم التعافي نهائيا
وعلى الرغم من كافة الجهود المبذولة لإيجاد تقنيات علاجية فعالة للإضطراب العقلي إلا أن الخبراء لم يتوصلوا حتى الآن لطريقة للوقاية من تلك الحالة الإضطرابية ولكن من خلال التشخيص الدقيق من قبل الطبيب أو الأخصائي النفسي مع أساليب العلاج المبكرة سيساهم في قيام الفرد بالتكيف والإندماج مع مجتمعه في إشارة إلى أن هذا الإضطراب تحديدا سيؤثر كثيرا على نمط حياة المريض وصحته .
اقرأ أيضا هل الضحك كثيرا أحد علامات المرض العقلي؟
ما هو الاضطراب الوهمي ؟
من أبرز مظاهر الإضطراب الوهمي التي يجب أن نلقي الضوء عليها مايسمى بالهلوسة المتكررة ورغم أنها عبارة عن هلاوس إلا أننا لانعتبرها غير واقعية تماما حيث أن المريض المصاب بالإضطراب الوهمي يتخيل مواقف حقيقة ولكن من غير المحتمل أن تحدث له ( كأن تتم ملاحقته, أو أن أحدهم يرغب في وضع السم له في الطعام , أو حتى وقوع شخص ما في حبه بشكل سري ) وكثيرا مايقترن هذا الوهم بالتشوهات المعرفية .
على النقيض من ذلك , توجد حالة عقلية يطلق عليها ( الأوهام الغريبة ) والتي تتصل بسيطرة أمور خيالية من المستحيل أن تحدث وتستمر تلك الحالة ملازمة للمريض وتتضمن عدة صور وهي هلوسة التحول , الخوف من الإستنساخ من قبل كائنات فضائية .
لايوجد اختلافا واضحا بين الأشخاص المرضى بالإضطراب الوهمي والأشخاص العاديين ,لكن بعض الحالات تدفع الشخص المضطرب ونتيجة لسيطرة الأوهام المتلاحقة على الشخص إلأى الإنعزال والدخول منسحبا إلى عالمه الخاص به .
مامدى شيوع الإضطراب الوهمي ؟
لايندرج هذا الإضطراب ضمن أنواع الإضطرابات شائعة الحدوث حيث أثبتت التقديرات التي تم احصائها أن نسبة الأشخاص المصابين ليست مرتفعة بشكل كبير , ويمكن اعتبارها نسبة متوسطة تحدث في المراحل العمرية المتوسطة وحتى المراحل المتأخرة للغاية , وعند مقارنة فئات الاشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض ثبت أن النساء أكثر عرضة مقارنة بالرجال .
ما هي أنواع الاضطراب الوهمي الموجودة؟
وفقا لآراء خبراء الطب النفسي تم التوصل إلى طريقة لتصنيف الإضطراب الوهمي بناءا على الأعراض التي يعاني منها المرضى إلى عدة أنواع شائعة وتشمل :
متلازمة وهم الآخرين الذين يحبونك (الهوس الشبقي)
أن يكون لديك وهم عقلي داخلي بأن أحد المشاهيرسواء ممثل أو مطرب يحبونك أو لديهم إعجاب بك وبشخصيتك , ويظل هذا الإعتقاد يتطور بداخلك أنك محبوب بشدة وبشكل سري وبالتالي سيجعل المريض يتبنى سلوك المطاردة بشتى الطرق في محاولة الوصول للهدف
جنون العظمة
ينظر المريض إلى نفسه كأنه مثل الهالة المضيئة ويسيطر عليه إحساسا أنه أفضل من الآخرين وأن قيمته أعلى من كل الناس ويمتلك من القوة والمعرفة والواهايات مايؤهله لذلك , وهناك اعتقاد دائم لديهم بإرتفاع مكانتهم وأن جميع الناس ينظرون لهم نظرة إعجاب .
متلازمة عطيل
تم قياسها بناء على رواية عطيل لوليم شكسبير والتي تجسد كل معاني الغيرة ,والخيانة لذلك فإن الأشخاص المصابون بتلك المتلازمة يعتقدون دائما بأن الخيانة تطاردهم ويشكون دائما في ولاء كل الأشخاص المحيطين بهم ويقومون بإستغلال كل مالديهم من أساليب لإثبات أن معتقداتهم صحيحة .
الغيرة الوسواسية
ينتاب الشخص شعورا بالغيرة الغير طبيعية والتي تصبح بمثابة وسواس يفقد الشخص عقله
الأوهام الاضطهادية
لايوجد أسوأ من شعور الشخص بأنه مضطهد من قبل الآخرين وأنهم يحيكون له مؤامرات ويضمرون له الشر ويرغبون في أذيته , وقد يمتد الأمر إلى اللجوء للسلطات القانونية لتقديم شكاوى ضد أشخاص يعتبرونهم أعدائهم دون توافر أي أدلة صحيحة في أيديهم .
اضطراب الأعراض الجسدية\ اضطراب تشوه الجسم
يشمل أيضا اضطراب تشوه الجسم حيث يظل المريض معتقدا بأن لديه عيوب جسدية تصيبه بحالة من القلق الدائم بشأن مظهره ويترك هذا الإضطراب تأثير سلبي حاد على عقله .
الإضطراب المختلط
يصف هذا الإضطراب الأشخاص الذين يجمعون بين نوعين من الإضطرابات الوهمية التي قمنا بذكرها .
علاوة على وجود أعراض ينفرد بها اضطراب جنون العظمة وتتمثل في نوبات التهيج المتكررة , حالات من الغضب , بالإضافة إلى التقلبات المزاجية السيئة. كما يتعرض المريض لنوع من الهلاوس المتمثلة في رؤيته وسماعه لما يعتقد بوجوده, ومن الأمثلة الدالة على ذلك اعتقاد الشخص أنه مصاب بمشكلة تتعلق بالرائحة وكأنه يشم رائحة كريهة صادرة من جسمه رغم أن ذلك ليس حقيقيا .
أسباب وعوامل خطر الاضطراب الوهمي
حتى وقتنا الحاضر لم يتوصل خبراء علم النفس بعد إلى أسباب دقيقة ومحددة للإضطراب الوهمي شأنه في ذلك شان بعض الإضطرابات النفسية الأخرى إلا أنهم أرجعوا الأمر إلى عدة عوامل متحكمة تزيد من فرص الإصابة بالمرض وتشمل :
العوامل الوراثية
تظهر العديد من الدراسات أن هذا الاضطراب العقلي يحدث في كثير من الأحيان في الأسر التي لديها أفراد يعانون من اضطراب الوهم أو الفصام . ولذلك، يعتقد الخبراء أنه مثل الاضطرابات النفسية الأخرى، يمكن أن ينتقل الاضطراب الوهمي من الآباء إلى الأطفال.
أكدت عدة دراسات على أن الإضطراب الوهمي ونتيجة لأنه واحدا من المشكلات العقلية فإنه يرتبط بعوامل وراثية ترجع إلى وجود تاريخ عائلي وراثي لدى أفراد من العائلة الذين تعرضوا لإضطراب الوهم ,أو الفصام لذلك فإن احتمالات انتقال الاضطرابات الوهمية النفسية يزداد من الآباء إلى الأجيال من الأطفال .
العوامل البيولوجية
يسعى الخبراء في محاولة فهم كيفية حدوث الاضطراب الوهمي عقب معرفتهم بفقدان أجزاء من الدماغ قدرتها على العمل بصورة طبيعية وبصفة خاصة يمكن أن نسلم بوجود علاقة وثيقة تربط بين الأجزاء الغير طبيعية من الدماغ والتي تتحكم في أساليب الإدراك والتفكير وأعراض جنون العظمة
العوامل البيئية والنفسية
العديد من الأدلة التي توصلت إليها الابحاث أكدت على أن استمرار حالة التوتر والإكتئاب لفترات طويلة سيجعلك ضحية للكثير من الإضطرابات العقلية فضلا عن أن الأشخاص الذين يميلون إلى العزلة (المهاجرين، الصم والبكم…) هم أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب الوهمي مقارنة بغيرهم .
تشخيص الإضطراب الوهمي
نتيجة لعدم وجود اختبار تشخيصي دقيق لإضطراب الوهم يعطي نتائج فعالة يمكن أن يلجأ الأطباء لإستخدام دراسات تصوير الدماغ واختبارات الدم والتي تفيد في عملية استبعاد المشكلات الأخرى ذات الأعراض الإضطرابية المماثلة، بما في ذلك:
- مرض الزهايمر
- اضطراب الوسواس القهري
- الهذيان
- اضطرابات طيف الفصام الأخرى
- الصرع
سيتم تشخيص الاضطراب الوهمي إذا كان لدى المريض العوامل التالية:
- لديه واحد أو أكثر من الأوهام الغريبة، والتي تستمر لأكثر من شهر واحد
- عدم وجود تاريخ طبي من الفصام
- تتأثر الحياة بشكل كبير بالأوهام
- معاناة الشخص من نوبات الهوس أو الاكتئاب
علاج اضطراب التوهم
العلاج النفسي والأدوية هما العلاجان الأكثر شيوعًا للاضطراب الوهمي. اعتمادًا على حالة كل مريض، سيوصي الطبيب النفسي بالطريقة والنظام العلاجي الأكثر ملاءمة.
العلاج النفسي
يجب أن يكون العلاج النفسي ضمن الخيارات الرئيسية التي يجب أن تكون على رأس أولوياتك ,وينصحك الطبيب بها ليس للإضطراب الوهمي فقط بل لكافة الإضطرابات العصبية أيضا ويمكن أن تجني من ورائها نتائج فعالة للمريض على الرغم أنه من الصعوبة علاج المرض نهائيا لأن الأشخاص المصابين لايريدون الإعتراف بأن لديهم مشكلة تتطلب العلاج .
سيتمكن المرضى بالإضطراب الوهمي من إدارة التوترات والقلق المسيطر عليهم من خلال الجمع بين العلاج النفسي,والأدوية بما يمكنهم من التعامل معه بطريقة أفضل . وتشمل العلاجات النفسية التي قد تكون مفيدة في الاضطراب الوهمي ما يلي:
العلاج النفسي الفردي
يفيد ذلك الأسلوب العلاجي في مساعدة المرضى في فهم طبيعة الأفكار المشوهة والعمل على تصحيحها
العلاج السلوكي المعرفي
من أشهر طرق العلاج التي يستخدمها الأطباء لإزالة كافة العوائق التي من شأنها أن تصيبك بالهلوسة ثم التعامل معها من خلال استكشاف أنماط التفكير والسلوكيات التي تؤدي إليها .
ويجب أن يأتي دعم ومساندة الأقارب والأصدقاء جنبا إلى جنب مع العلاج السلوكي في تقديم كل مايحتاجه المريض من أوجه الدعم على الرغم من أن في بعض الحالات قد يوصي الطبيب بالنسبة للمرضى الأكثر تعرضا لخطر إيذاء أنفسهم أو الأشخاص الآخرين إلى دخول المستشفى من أجل مراقبتهم لحين استقرار حالتهم
العلاج بالأدوية
تؤكد الدراسات إلى ارتفاع نسبة الأشخاص الذي تحسنوا بعد استخدام الأدوية العلاجية للإضطراب الوهمي لديهم وبالأخص مضادات الذهان الشائعة وتشمل :
مضادات الذهان الشائعة
يطلق عليها المهدئات وفقا للمسميات الدارجة بين جموع الناس وتعد من الأدوية المستخدمة لعلاج الاضطرابات النفسية منذ القدم وتحديدا منتصف الخمسينيات، ويتمثل أساس عمل الدواء في حجب مستقبلات الدوبامين في الدماغ. ويعد الدوبامين واحدا من الناقلات العصبية المرتبطة بتطور الأوهام.
مضادات الذهان غير التقليدية
تعد من أنواع الأدوية المستخدمة حديثا ضمن سلاسل الأدوية الفعالة لعلاج الإضطراب الوهمي وتأتي مع مجموعة من الآثار الجانبية ذات الصلة بالحركة بدرجة أقل من مضادات الذهان التقليدية. كما أنها تعمل عن طريق منع مستقبلات الدوبامين والسيروتونين في الدماغ (السيروتونين هو ناقل عصبي آخر مرتبط بالحالات النفسية).
الأدوية الأخرى
يلجأ بعض الأطباء إلى وصف المهدئات, ومضادات الإكتئاب لتخفيف أعراض القلق خاصة في حالة حدوثها في نفس توقيت حدوث الاضطراب الوهمي. على وجه الخصوص، يمكن استخدام المهدئات إذا كان المريض يعاني من مستويات عالية من القلق أو يواجه صعوبات في النوم.