في رحلة النمو مع أبنائنا، قد يمر علينا الكثير من المواقف والأعراض الغير مفهومة. فمن أهم هذه الأعراض هي أنه كلما دخل الطفل في سن البلوغ، كلما كان أكثر شرود للذهن وأقل تنظيما. فالجدير بالذكر أنه لا يكون لهذه الظاهرة الكثير من الأعراض، ولكنها تؤثر بشكل كبير على قدرة المراهق نحو التعلم والتذكر والعيش. إذن نتساءل اليوم ما هو النسيان المبالغ فية خلال مرحلة المراهقة؟ وما هي أسباب مظاهر هذه الحالة؟ وما هي أهم الأنماط الصحية التي نستطيع من خلالها التعامل مع هذا الوضع؟
ما هي أعراض النسيان في مرحلة المراهقة؟
عندما يقوم أبنائنا خلال مرحلة المراهقة بنسيان بعض الأشياء أو تجاهل القيام ببعض المهام المكلف بها، فيجب عدم القلق تجاه هذا الأمر لأنه وفقا لآراء المختصين فإن هذا الأمر يحدث لأن المراهق خلال هذه المرحلة يكون لديه وقت تركيز مرتفع يبلغ حوالي 30 دقيقة، ومن ثم يغلب علية أمر فقدان التركيز والنسيان.
ولكن يجب علينا معرفة، أنه عندما يصاب المراهق ببعض المشاكل المذكورة أدناه، فقد يكون الوقت قد حان لاستشارة طبيب مختص للتعامل مع الأمر. الجدير بالذكر أن من أهم هذه المشاكل:
- القيام بطرح نفس الأسئلة مرارا وتكرارا
- نسيان الأحداث والمعلومات الأخيرة وبالأخص في آخر 3 أشهر أو نحو ذلك.
- لا يمكنهم تذكر المعلومات التي سمعوها أو قامو بمشاركتها مؤخرا.
- النسيان الزائد وضياع المتعلقات في غير مكانها وإضاعة الوقت في البحث.
- التذكير المستمر ممن حولهم.
- الرفض في المدرسة بسبب عدم القدرة على حفظ الدروس، على الرغم من الدراسة لفترة طويلة في المنزل.
ما هي أهم الأسباب المحتملة للنسيان خلال مرحلة المراهقة؟
في الواقع، من الصعب تحديد أسباب أعراض فقدان الذاكرة خلال مرحلة المراهقة ، حيث أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل نشاط دماغ المراهق أقل كفاءة. ولكن سنقوم فيما يلي بذكر بعض الأسباب الشائعة التي تؤثر على قدرة الذاكرة لدى معظم المراهقين خلال فترة البلوغ، بما في ذلك:
أولا: التغيرات الهرمونية
تعد مرحلة البلوغ هي فترة صعود للعديد من الهرمونات مثل هرمون التستوستيرون والإستراديول والبروجسترون وهرمون النمو (GH- هرمون النمو). فالجدير بالذكر أن هذا الأمر يزيد من التحفيز المفرط في الدماغ، مما يجعل من الصعب عليها التحكم في العواطف، والتأثير على وظيفة بعض أجزاء مختلفة من الدماغ مثل التركيز والتخطيط والذاكرة، وكذلك القدرة على التحكم في السلوكيات الاجتماعية.
لذلك، تعتبر أعراض النسيان خلال فترة المراهقة أمرا لا مفر منه وبالأخص خلال الفترة المستمرة لنمو الدماغ.
ثانيا: نقص فيتامين ب 12
تشير الدراسات إلى أن نقص فيتامين ب12 يرتبط بالاضطرابات العصبية المعرفية لدى المراهقين الذين يدخلون سن البلوغ وهو أيضا سبب شائع لانخفاض قدرة الذاكرة الفورية خلال فترة المراهقة. فيجب العلم أن السبب في ذلك هو أن فيتامين ب 12 يلعب دورا مهما في النخاع العصبي وتوليف الناقل العصبي وتطوير الوظيفة المعرفية للدماغ.
يمكن أن يؤدي نقص فيتامين ب 12 إلى إضعاف هذه العمليات ويؤدي إلى تلف الأعصاب وفقدان الذاكرة. بشكل عام يمكن أن يصاب الأطفال بنقص في فيتامين ب 12 أثناء الحمل بسبب تعرض الحامل لنقص هذا الفيتامين أو خلال فترة البلوغ بسبب زيادة الطلب على الجسم لتلبية النمو.
بالإضافة إلى ظاهرة النسيان وعدم التركيز فمن الممكن أن يؤثر نقص فيتامين ب12 على الجسم من خلال حدوث الآتي:
- الإصابة بفقر الدم.
- التعب المستمر.
- ضعف الجسم.
- الخدر والإحساس بالوخز في اليدين أو القدمين.
- التهاب اللسان.
ثالثا: قلة النوم
في وقتنا الحالي، نرى الكثير من المراهقين يذهبون إلى مدارسهم بعيون متعبة وصعوبة في التركيز وعدم الرغبة في المداومة حيث يحدث هذا لمجرد أن الليلة الماضية قام المراهق بالسهر إلى وقت متأخر من الليل وعدم الحصول على قسط كاف من النوم. فيجب العلم أن هذا السلوك هو الذي أدى إلى وقوع حالة من عدم التركيز والنسيان حتى وإن كان الأمر يتعلق بالأشياء البسيطة.
وفقا لآراء العديد من الخبراء، فإن أدمغة المراهقين تتطور بسرعة كبيرة في خلال هذه المرحلة العمرية ومن أهم المساعدات في هذه الفترة هو النوم الذي لا يقوم بجلب الرفاهية البدنية فقط، بل أيضا يمتد لاستعادة وتعزيز قدرة الذاكرة للدماغ بعد يوم دراسي مرهق يشمل عمليات تكوين الذاكرة طويلة المدى.
رابعا: أداء المهام المتعددة في نفس الوقت
يؤدي القيام بالكثير من الأنشطة والمهام المتعددة في يوم واحد وفي نفس الوقت إلى حدوث تدهور كبير في الأداء الجاد والمتزن، مما قد يتسبب ذلك في إثقال كاهل الدماغ بالكثير من المعلومات، ومن ثم تحدث حالة من عدم القدرة على تذكر ما يجب القيام به.
خامسا: استخدام الأجهزة الذكية أكثر من اللازم
كما يعلم أغلبنا أن إستخدام الأجهزة الذكية بشكل مبالغ فيه من الأمور السلبية الضارة التي قد ينتج عنها حدوث تشتت في الإنتباه وعدم التركيز. الجدير بالذكر أن هذه الأجهزة تتمثل في أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والأجهزة اللوحية، والهواتف المحمولة.
وجب التأكيد على أن إستخدام هذه الأجهزة لفترات طويلة قد يعد سببا رئيسيا في دمار دماغ المراهقين الذين يعانون من ضعف الذاكرة حيث يحدث هذا على المدى القصير.
سادسا: علم الأمراض
يعد النسيان هو أحد أهم المظاهر التي تدل على حدوث الإصابة بعدد من الأمراض التي لها القدرة التأثيرية على الدماغ مثل:
- عسر القراءة: تعتبر هذه الحالة من الحالات التي لا تجعل من الصعب على الأطفال التعلم فقط، بل تؤثر أيضا على قدرة الذاكرة لدى المراهقين.
- اضطرابات الغدة الدرقية: تشير الدراسات إلى أن حدوث أي قصور في الغدة الدرقية يمكن أن يؤثر على الاحتفاظ بالذاكرة، وخاصة الذاكرة الفورية. وذلك لأن هرمونات الغدة الدرقية تلعب أدوارا مهمة في عمل الجهاز العصبي المركزي، بما في ذلك الذكاء والذاكرة والأداء المعرفي.
- الاكتئاب: من المحتمل أن تظهر هذه الحالة عند المراهقين لأسباب مختلفة مثل التعرض لبعض الظروف الصحية، والإجهاد في الحياة اليومية، أو عند دخول الفتيات سن البلوغ. فيجب العلم أن الاكتئاب يتسبب بشكل مباشر في إضعاف الوظيفة التنفيذية للدماغ، وتقليل مدى الانتباه وصعوبة تذكر الأحداث قصيرة المدى.
- الأورام في المخ: تعد هذه الحالة المرضية من الحالات النادرة جدا ولكن إذا كان المراهق غالبا ما ينسى ويرافقه بعض الأعراض مثل الصداع الشديد، والنوبات، والتقيؤ، والدوخة أو تغيرات في السلوك، وصعوبة التحدث، وضعف الأطراف، فيجب أن تقوم الأم بإصطحاب المراهق إلى الطبيب لكي يقوم بفحصه بشكل فوري والإطمئنان عليه.
سابعا: الأدوية العلاجية
يمكن أن يؤثر أمر تناول بعض الأدوية أيضا على قدرة المراهق على التذكر، فالجدير بالذكر أن من أهم هذه الأدوية المهدئات أو مضادات الاكتئاب (الباروكسيتين) التي تتسبب في النعاس وانخفاض التركيز.
بشكل أوضح قد تتسبب هذه الأدوية في بداية الأمر في حدوث التذكر والتركيز بشكل أفضل، ولكن مع مرور الوقت تصبح محفزات لضعف الذاكرة. لذا يجب الحديث مع الطبيب في التأثيرات الدوائية التي قد تقع على الأبناء جراء تناول هذه الأدوية والعمل على إختيار البدائل الأفضل لتجنب حدوث أي أضرار.
ثامنا: الإجهاد لفترات طويلة
وجدت العديد من الدراسات أن المراهقين الذين يواجهون ضغوطا أكاديمية أو حياتية شديدة من حيث الإنضباط والمهام فقد يؤدي هذا الأمر إلى حدوث تغيرات في تطور اللوزة والحصين في الدماغ، والتي قد تكون مسؤولة عن أعراض النسيان خلال فترة البلوغ.
كيف نستطيع التعامل مع أمر النسيان خلال فترة المراهقة؟
يجب العلم أن أمر فقدان الذاكرة خلال فترة المراهقة ليس خطيرا، ويمكن للمراهقين استعادة قدرتهم على التذكر كالمعتاد، وكذلك تركيزهم المتأصل، ومع ذلك وعند الرغب لضمان السلامة فإذا وجد الوالدان أن الأبناء لديهم علامات تشير إلى أمراض يمكن أن تسبب فقدان الذاكرة كما هو ذكرنا من قبل، فيجب على الأمهات اصطحاب أطفالهن لرؤية الطبيب ومن ثم تلقي التقييم والفحص.
بالإضافة إلى ذلك، سيقوم الطبيب أيضا بالتوجيه نحو إجراء بعض الاختبارات لاستبعاد الأمراض العصبية الخطيرة ذات الصلة ولكن هذا يحدث إذا لزم الأمر.
في العموم بمجرد أن تقرري عزيزتي الأم أن إبنك المراهق ينسى فقط وليس لديه سلوكيات غير طبيعية مثل الصداع أو القيء أو النوبات أو ضعف الأطراف أو التغيرات السلوكية التي لا يمكن السيطرة عليها، فيمكنك هنا القيام بتجربة النصائح التي سنقوم بذكرها لاحقا للعمل على تحسين فقدان الذاكرة بشكل أو بآخر:
- توجيه المراهق نحو القيام بمضغ العلكة في بعض الأوقات وبالأخص عندما يحتاج إلى التركيز.
- تشجيع المراهق على النوم لمدة زمنية تتراوح من 8 إلى10 ساعات يوميا لجعل الدماغ يعمل بشكل أفضل.
- يجب دائما تشجيع المراهق على ممارسة تمارين اليوغا التي تعمل على تحسين الذاكرة، وبالتالي تحسين نتائج التعلم أو التأمل بالإضافة إلى العمل على ممارسة بعض تمارين التنفس البسيطة التي تعمل على تقليل التوتر وتعزيز الصحة العقلية بشكل أفضل.
- مساعدة المراهق على الضحك، وهذا لأن الضحك يمكن أن يساعد في خفض هرمون الكورتيزول وهو الهرمون الذي يمكن أن يتلف الخلايا العصبية ويضعف الذاكرة.
- تناول المكملات الغذائية لمساعدة طفلك على تعزيز فيتامين ب 12، وهو الذي يعزز نمو الدماغ ويقلل من خطر انخفاض ذاكرة البلوغ.
- الحد من وقت استخدام الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف وأجهزة الكمبيوتر.
- دعم المراهق نحو التخطيط للدراسة والعمل بطريقة علمية ومعقولة.
- عدم إجبار المراهق على المذاكرة أكثر من اللازم
باختصار، يجب على الوالدين تفهم الوضع للمراهقين والعمل على الحديث معهم لفهم أسباب ما يعانون منه من صعوبات في الذاكرة وأعراض للنسيان أثناء فترة البلوغ. وهذا لفهم الحالة بشكل صحيح ومن ثم تحديد خطة العلاج المناسبة.