عند حدوث المعاناة ببعض حالات التوحد، فمن الوارد أنها تنتمي إلى اضطراب طيف التوحد (ASD) وهو عبارة عن مجموعة من اضطرابات النمو العصبية والنفسية التي تؤثر على التواصل والتفاعل الاجتماعي والسلوك المحدود والمتكرر. فعلى الرغم من تشخيص هذه الحالة الإضطرابية بشكل شائع عند الأطفال، إلا أن التوحد يمكن أن يظهر أيضا عند البالغين ومن ثم يسبب العديد من التحديات الكبيرة في االحياة الاجتماعية وأداء الأنشطة اليومية. لذا فسوف نتعرف اليوم على أهم مسببات إصابة البالغين بالتوحد وما هي أعراضه وكيف نستطيع علاجه والتغلب عليه قدر الإمكان؟
ما هي أسباب إصابة البالغين بالتوحد؟
بصورة شاملة توجد عدة عوامل تتسبب بشكل رئيسي في حدوث معاناة البالغين من إضطراب التوحد. الجدير بالذكرأن هذه العوامل تتمثل فيما يلي:
أولا: العوامل الوراثية
غالبا ما يصاب البالغين بمشكلة التوحد نتيجة للتفاعل الذي يحدث آنذاك الوقت بين العديد من العوامل حيث تلعب الوراثة دورا رئيسيا فيها، فقد أظهرت العديد من الدراسات العلمية أن الأشخاص الذين ينتمون لعائلات يتواجد فيها أفراد يعانون من مرض التوحد هم أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب بمقدار 2-3 مرات.
ثانيا: العوامل البيئية
بينما تلعب الوراثة دورا مهما في تحديد مخاطر التوحد، فمن الممكن أن تؤثر أيضا البيئة أيضا وعواملها المحيطة على كيفية التعبير عن الجينات. على سبيل المثال، قد يواجه الفرد الذي لديه استعداد وراثي احتمالية عالية للإصابة بالتوحد وبالأخص عند التعرض للملوثات والإجهاد الأسري وما إلى ذلك حيث يزيد هذا من خطر الإصابة بأعراض التوحد. تنقسم التأثيرات البيئية إلى عدة محاور وتتمثل في:
– تأثير البيئة الاجتماعي والنفسي: بمزيد من الإرتباط يمكن أن تصبح الصلة المشتركة بين البيئة الاجتماعية والنفسية عاملا مسببا للتوحد لدى البالغين. فعلى وجه التحديد، يمكن أن تزيد الصدمات والضغوط الاجتماعية والعاطفية من البيئة المحيطة خلال فترة زمنية معينة من خطر الإصابة بأعراض التوحد.
– التأثيرات البيئية المادية: قد تلعب آثار تلوث الهواء والتبغ والمواد الكيميائية والتكنولوجيا الإلكترونية دورا مهما في إصابة البالغين بمرض التوحد.
ثالثا: إصابات الدماغ
لا يمكننا أن نقوم بتعميم هذا الأمر على طول الخط لأنه من الوارد أن يتم التعرض لهذا النوع من الإصابات ولا تحدث أي حالة من حالات التوحد المرضية. ولكن على الجانب الآخر فقد بعض الدراسات العلمية الحديثة إلى أن إصابة المخيخ من العوامل المساهمة الهامة التي من الوارد أن تتسبب في تطور مرض التوحد لدى البالغين وبنسبة كبيرة.
ما هي علامات التوحد عند البالغين؟
عادة ما يكون لدى البالغين المصابين بالتوحد بعض من العلامات والتي تتمثل فيما يلي:
1) صعوبات في التواصل الاجتماعي
قد يواجه البالغون المصابون بالتوحد صعوبة في إقامة علاقات اجتماعية أو حتي الحفاظ عليها حيث أنهم قد يفتقرون إلى القدرة على قراءة وفهم مشاعر الآخرين ولغة الجسد، مما يقلل هذا الأمر من قدرتهم على مشاركة الاهتمامات والمشاعر.
إلى جانب هذا فمن الوارد أن يعاني البالغ مريض التوحد من عدم القدرة على الاستجابة للتفاعلات الاجتماعية مع المحيطين به، مما يجعل هذا الأمر من الصعب عليه أن يقوم بتبادل الحديث والدردشة مع الآخرين.
2) القيود في التفاعل الاجتماعي
يتم تصنيف البالغون المصابون بالتوحد على أنهم محددون في قدرتهم على التفاعل اجتماعيا، وهذا لأنهم يفتقرون إلى القدرة على التكيف مع المواقف الاجتماعية المعقدة مثل العمل الجماعي، والتعامل مع السياقات الاجتماعية المختلفة اولتعرف على الإشارات الاجتماعية في الحياة اليومية.
غالبا ما يعاني أصحاب هذا الإضطراب النفسي من انخفاض في القدرة على التواصل اللفظي وغير اللفظي حيث يبدو هذا واضحا من خلال المعاناة من تشوهات في الاتصال بالعين ولغة الجسد، والجهل باستخدام الإيماءات، والنقص التام في تعابير الوجه، والتواصل غير اللفظي، وعدم الاهتمام بالأقران إطلاقا.
3) الهوايات المميزة
غالبا ما يكون لدى البالغين المصابين بالتوحد اهتمامات خاصة ويركزون بعمق على مواضيع أو أنشطة محددة. فالجدير بالذكر أنهم غالبا ما يكونون مرتبطين أو منشغلين بأشياء غير عادية أو هوايات متميزة أو مثابرة أو رائعة أو بمعني آخر مهارات وهوايات ذات درجة تميز وتفوق كبيرة.
قد ينتج عن هذا الإنشغال الإفتقار الشديد للمرونة والتنوع في المشاركة في أنشطة أخرى أو أي مهام إجتماعية يتم العمل بها في روح الفريق.
4) السلوكيات المتكررة
قد يبدو على البالغون المصابون بالتوحد القيام بأداء بعض السلوكيات المتكررة، والتي قد تتمثل في مصافحة الأشخاص، أو إلتواء اليدين، أو ضرب اليدين، أو محاكاة الكلمات الساخرة، أو محاكاة ساخرة لعبارة مميزة واحدة أو أكثر حيث أنهم قد يقومون بالتركيز أيضا على ترتيب المواقف والتصرفات بأنماط معينة.
5) الحساسية للضوء أو الصوت أو اللمس
في كثير من الحالات ، يمكن أن يسبب التوحد عند البالغين حدوث معاناتهم من الحساسية العالية للضوء أو الصوت أو الرائحة أو الأحاسيس اللمسية حيث يمكن أن تسبب هذه المحفزات الشعور بمشاعر عدم الراحة أو التوتر ومن ثم تؤثر على عملية التفاعل والمشاركة في الأنشطة اليومية.
على سبيل المثال، قد يكون لهذه الفئة زيادة في الإحساس بالالم أو الخمول، أو ردود الفعل السلبية على أصوات أو مواقف معينة، أو الانبهار البصري بالضوء أو الحركة.
يجب العلم أنه في حين أن هذه العلامات قد تظهر لدى البالغين المصابين بالتوحد، ولكن ليس كل البالغين المصابين بالتوحد لديهم نفس العلامات حيث أنه من الوارد أن يكون لكل شخص مظاهر ودرجات مختلفة. لذا عند الرغبة في الحصول على تشخيص دقيق فيجب العمل على استشارة أخصائي الصحة العقلية المعني بالتعامل مع مثل هذه الحالات.
كيف نستطيع القيام بعلاج حالات التوحد عند البالغين؟
في بداية الأمر يجب علينا نعرفة أن التوحد ليس مرضا، ومن ثم يتطلب علاج التوحد لدى البالغين فهما عميقا للظروف والأسباب ونهجا فرديا للشخص المحتاج للمساعدة والرعاية.
الجدير بالذكر أن الهدف الأساسي من علاج الأشخاص الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد هو استهداف السلوكيات الأساسية لتحسين التفاعل الاجتماعي والتواصل وتوسيع الاستراتيجيات للاندماج في الحياة وتطوير صداقات ذات مغزى وتعزيز مهارات المعيشة المستقلة على المدى الطويل.
على الرغم من أنه لا يمكن علاج هذه الحالة من الإضطرابات تماما، إلا أنه لا يزال بإمكان البالغين المصابين بالتوحد تحسين نوعية حياتهم بشكل كبير من خلال إتباع الآتي:
– التدخل النفسي
يتم تنفيذ هذا النوع العلاجي من خلال الآتي:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT) حيث يساهم في تغيير الإدراك والسلوك.
- التدريب على علاج التواصل الاجتماعي (SCT) لتعزيز مهارات الاتصال والتفاعل.
- الإستعانة بعلاج التدخل السلوكي (ABA) لإكتساب السلوك المرغوب فيه والتقليل من السلوك السلبي.
– تناول الأدوية
- يمكن أن تساعد بعض المنتجات الدوائية في السيطرة على بعض الأعراض الإضطرابية مثل القلق والاكتئاب واضطرابات النوم واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إن وجدت.
- من الضروري اتباع تعليمات الطبيب عند استخدام الدواء.
– الدعم من الأسرة والمجتمع
- تلعب الأسرة والمجتمع دورا مهما في خلق بيئات معيشية شاملة ودعم للاشخاص البالغين المصابين بالتوحد.
- المشاركة في مجموعات الدعم وبرامج التدخل المجتمعي التي تساعد الأشخاص المصابين بالتوحد على تطوير المهارات والاندماج اجتماعيا وبصورة صحية سليمة.
– العلاج التكميلي
يمكن أن تساعد بعض العلاجات التكميلية مثل اللجوء إلى أداء تمارين اليوغا والتأمل والموسيقى في تقليل التوتر والقلق وتحسين الحالة المزاجية والخروج من حالة التوحد عند البالغين.